دوما تسير الأمور على مايرام ، حتى يهب ذلك اليوم عليك كالعاصفة، قبلها كنت تظن نفسك قديسا لا يترنح لا تبدله الظروف ولا يتبدل ، لسانك الذي أطلقته مدافعا عن مبادئ ظننت أنها لك أنت الآن على شفا التخلي عنها ، واذا بالقمر الذي تهتدي به دوما ينشق على مفترق الطريق ، فتتفرد بك الظلمة مصبغة عليك شيئا من التخبط العكر .
الغريب في الأمر أنك تجلس في غرفتك في آخر كل ليلة ، وبصحبتك قهوتك الساخنة وعلى ورقات بيضاء تسطر عن نفسك سطورا هي بالتأكيد عن شخص آخر ليس انت ، و حين ارتديت منظارك و أخذت تفتش في أحوال الناس فتصدر عن فمك طقطقة الامتعاض غير راضيا أبدا عن أفعالهم وسلوكهم و تقسم ألف قسم و تتمتم
" لا لا والله ما يحصل ، عمري ما أعمل كدا أبدا "
لاحظت في نفسي ذلك الأمر كثيرا ، الى أن أدركت أن المواقف والاختبارات الحياتية هي التي تحدد صدق ما أنت عليه فالاختبار الذي يتخلل كل جنباتك و ويغمرك من أعلاك الى أسفلك هو الذي يضعك حيث لابد أن تكون ، يذكر دكتور مصطفى محمود عن تلك المواقف التي تحتوي ادراكك و شعورك ، يشبهها بتلك اللحظة التي تفقد فيها التمييز في مصعد كهربائي ، هل هو متحرك أم ساكن ، هناك شخص يقف خارج المصعد استطاع أن يحدد . ذلك الشخص كان أنت قبل أن يختلط عليك الأمر و تشتتك الظروف .
قل لي ماذا فعلت حين اصطدمت مصالحك بمبادئك أقل لك من أنت ، فلكل مننا فلسفته الخاصة ومبرراته التي يتسطيع تطويعها للتملص من تلك الأمور .
فتلك الراقصة التي تتلوى عارية أمام الجمهور في عز الشتاء ترى في سكرها و الخمر الذي تستقيه منجاة لها من جو قارص اذا استبد بها سيقتلها ، و فضلا منك لا تحدثها أو تتطرق معها الى الحرام و الحلال في حالتها تلك لأنك بذلك تهدد عملها ومصالحها وستنقض عليك صارخة في وجهك " آه دا أكل عيش ولا أسرق يعني !! وبعدين مش دا حكم المضطر برضو يا بتوع الدين "
قس على ذلك الكثير ، ربما يفسر لك هذا الأمر أيضا ، لماذا يكون دوما حامي البلاد وراعي الأمن فيها هو حراميها ولصها الأوحد بل و خالق الفوضى و ومحدثها .
رأيت مؤخرا فيديو عبارة عن شخصين على شاطئ رملية ، أحدهما يحاول التسلق على سقف بيت خشبي مائل ليحضر من أعلاه شئ ما ، مستندا على صديقه ذلك الذي يحمله من الخلف ملتحفا بمنشفة تستر نصفه السفلي ، وفجأة بدأت المنشفه التي تستر أسفله تنزلق من عليه كاشفة عن عورته ، ربما كان صديقا وفيا طيلة سنوات ، ولكنه فورا تشبث بها ململما أطرافها ليستر عن نفسه الفضيحة ، و ترك صديقه يهوى على رأسه من أعلى السقف ، ضحكت بشدة ولكن لم أستبعد أن أتصرف لا إراديا مثله لو كنت في مكانه .
هناك مثل مصري يقول " المايه تكذب الغطاس " لذا دعك من التشدق بما ليس فيك أو بالأحرى بما تظن أنه فيك ولكن أطلب من ربك الثبات على الرشد ، فنوائب الدهر عاتية و لو نظرت في حال نفسك منذ زمن ، لوجدت أنك تبدلت آلاف المرات وهكذا أنا .