الأربعاء، 12 أبريل 2017

أزمة انتماء

لست مهتما كثيرا بما تخبئه لنا الأيام  القادمة سواء في مصر أو في العالم العربي برمته ، فلن يأتي أسوأ مما نحن عليه الآن هكذا أظن ، ولكن في كثير من الأحيان يتداعى الى ذهنى كيف وصلنا الى تلك الحال، ترى في كتب التاريخ صورا تنطق بعظمة ما كان عليه العرب ، حين كنا نحاصر القلاع و نغير على الحصون   ننتصر للمظلوم و نوقع بالظالم أشد العبر و أدمى الوقائع .
  تتفاوت الأسباب على مر العصور الغابرة التي أودت الى مهالكنا ، لكننا أنا و كل أبناء ذلك الجيل لم نعهد انتصارا واحدا لتلك الجموع العربية الهائلة في مختلف بقاع الشرق ، وكأن النصر قد أرخى على العرب الستائر معلنا باندثار  هيبتها وسطوتها  منذ أمد بعيد ، أذكر أن أبي كان يحدثني في صغري عن الاسلام ونصرته مستعرضاً صور العزة أيام رسول الله ويقول لي انظر كيف كنا ، ويؤطر حديثه بأن سلاحنا الأوحد هو العلم ،  و قوة العقول تعلو بمراتب عديدات قوة السلاح و عظيم العتاد  .
ولكن عندما كنا نجلس سويا أمام التلفاز ، ونشاهد النشرات الاخبارية لم أكن أكف عن طرح الأسئلة و الأحاجي  الساذجة ، أبي لماذا لا ينصرنا الله و نحن مسلمون نصلي ونتعبد و أعداؤنا كفرة ، أبي من اسرائيل  ولماذا لا نتكاتف  عليها ونحن أكثر منها عددا ؟ ، أبي من هو محمد الدرة ؟ ولماذا قتلوه ، والغريب أن تلك الأسئلة رغم سذاجتها تظل دوما بلا إجابات و أظن أن ذات النظرات المُفحمَة التي كانت في أعين أبي ستلتمع في عيني أيضا حين يسألني ولدي الأسئلة ذاتها .  
وبين تلك التجاذبات التي تتناولنا من جميع الأركان ، وبين ارادة شاب نشأ في مجتمع مظلم أليم ، يفرض علينا الواقع تضحيات تنال من أنفسنا وحقوقها علينا ، وتنال من ديننا و واجبنا تجاهه ،  ان لقومي  شغل شاغل  يؤرقهم هو لقمة العيش ، غرقى في الأعباء و أمور العيش  لا يكترثون لحال الأمة لأنه لا وقت للتفكير فيها ، تلك الدوامة التي كممت أعينهم   و شوشت على ادراكهم، أتاحت لمجموعه من الحمقى ذوي النفوذ  أن يعتلوا المناصب و يصلوا الى الحكم ليصلوا بنا الى مشارف الهلاك و مرامي الضياع .
أزعم أننا في ذلك الزحام صارت لنا نحن الشباب أزمة في الانتماء ، فلا وطن نرى فيها اشراقة أمل نتوكأ عليها و لا شئ يربطنا به أو يشعرنا بكينونتنا و انسانيتنا  فيه .
 ولكي لا أبدو مثاليا حالما و لأكون منصفا في قولي  سأعيد ما أحفظه و ما  ألتمسه فينا وفي نفسي  ،أؤمن أن مخرجنا الوحيد من تلك الأزمات أن ندرك قدر ذواتنا  ، و أننا -نحن العرب -نستحق  أفضل من هذا ،  أن ندرك تاريخ أمتنا  التي حكمت العالم و نشرت الدعوة بسماحة تعاليمها و أطلعت البشرية  على جميل الشرائع و المعاني العذبة .

اذا تاهت المعاني في  نفسك و اختلطت عليك الأمور فلتنظر في تاريخك ذلك الذي كنت عليه دوما  ، نحن لا نملك الآن الا أن نحيا على أمل ما  ، أن نأتي بالسراب ونهفو خلفه لنتجاوز تلك المسافات الطاحنة الأليمة  " فلولا السراب لما كنت حيا الى الان " محمود درويش أدرك المغزى جيدا ، و أتمنى أن ندركه نحن .