لست
مهتما كثيرا بما تخبئه لنا الأيام القادمة
سواء في مصر أو في العالم العربي برمته ، فلن يأتي أسوأ مما نحن عليه الآن هكذا
أظن ، ولكن في كثير من الأحيان يتداعى الى ذهنى كيف وصلنا الى تلك الحال، ترى في
كتب التاريخ صورا تنطق بعظمة ما كان عليه العرب ، حين كنا نحاصر القلاع و نغير على
الحصون ننتصر للمظلوم و نوقع بالظالم أشد
العبر و أدمى الوقائع .
تتفاوت الأسباب
على مر العصور الغابرة التي أودت الى مهالكنا ، لكننا أنا و كل أبناء ذلك الجيل لم
نعهد انتصارا واحدا لتلك الجموع العربية الهائلة في مختلف بقاع الشرق ، وكأن النصر
قد أرخى على العرب الستائر معلنا باندثار
هيبتها وسطوتها منذ أمد بعيد ،
أذكر أن أبي كان يحدثني في صغري عن الاسلام ونصرته مستعرضاً صور العزة أيام رسول
الله ويقول لي انظر كيف كنا ، ويؤطر حديثه بأن سلاحنا الأوحد هو العلم ، و قوة العقول تعلو بمراتب عديدات قوة السلاح و
عظيم العتاد .
ولكن
عندما كنا نجلس سويا أمام التلفاز ، ونشاهد النشرات الاخبارية لم أكن أكف عن طرح
الأسئلة و الأحاجي الساذجة ، أبي لماذا لا
ينصرنا الله و نحن مسلمون نصلي ونتعبد و أعداؤنا كفرة ، أبي من اسرائيل ولماذا لا نتكاتف عليها ونحن أكثر منها عددا ؟ ، أبي من هو محمد
الدرة ؟ ولماذا قتلوه ، والغريب أن تلك الأسئلة رغم سذاجتها تظل دوما بلا إجابات و
أظن أن ذات النظرات المُفحمَة التي كانت في أعين أبي ستلتمع في عيني أيضا حين
يسألني ولدي الأسئلة ذاتها .
وبين
تلك التجاذبات التي تتناولنا من جميع الأركان ، وبين ارادة شاب نشأ في مجتمع مظلم
أليم ، يفرض علينا الواقع تضحيات تنال من أنفسنا وحقوقها علينا ، وتنال من ديننا و
واجبنا تجاهه ، ان لقومي شغل شاغل
يؤرقهم هو لقمة العيش ، غرقى في الأعباء و أمور العيش لا يكترثون لحال الأمة لأنه لا وقت للتفكير
فيها ، تلك الدوامة التي كممت أعينهم و
شوشت على ادراكهم، أتاحت لمجموعه من الحمقى ذوي النفوذ أن يعتلوا المناصب و يصلوا الى الحكم ليصلوا
بنا الى مشارف الهلاك و مرامي الضياع .
أزعم
أننا في ذلك الزحام صارت لنا نحن الشباب أزمة في الانتماء ، فلا وطن نرى فيها
اشراقة أمل نتوكأ عليها و لا شئ يربطنا به أو يشعرنا بكينونتنا و انسانيتنا فيه .
ولكي لا أبدو مثاليا حالما و لأكون منصفا في
قولي سأعيد ما أحفظه و ما ألتمسه فينا وفي نفسي ،أؤمن أن مخرجنا الوحيد من تلك الأزمات أن ندرك
قدر ذواتنا ، و أننا -نحن العرب
-نستحق أفضل من هذا ، أن ندرك تاريخ أمتنا التي حكمت العالم و نشرت الدعوة بسماحة
تعاليمها و أطلعت البشرية على جميل
الشرائع و المعاني العذبة .
اذا
تاهت المعاني في نفسك و اختلطت عليك
الأمور فلتنظر في تاريخك ذلك الذي كنت عليه دوما
، نحن لا نملك الآن الا أن نحيا على أمل ما ، أن نأتي بالسراب ونهفو خلفه لنتجاوز تلك
المسافات الطاحنة الأليمة " فلولا
السراب لما كنت حيا الى الان " محمود درويش أدرك المغزى جيدا ، و أتمنى أن
ندركه نحن .