الثلاثاء، 28 نوفمبر 2017

محمد رضا

لا تستطيع ان تتبين فداحة الخسارة لانك لم تذق طعم الانتصار قط وحدهم الشهداء فعلوا
اتساءل هل صارت الارض عفنة ونجسة الى ذلك الحد ، لدرجة أن أدرك الاطهار منا ذلك فجادوا على الارض بعبق دماءهم و ارواحهم الزكية كي يمنحونا صلاحية اطول للعيش
ان الدوام لله وهم منه واليه ، لقد عاشوا قدر ما كتب لهم وماتوا عندما كتب لنا ان نعيش - نحن- امواتا ، ان العيون التي لا تبصر أحمر الدم كيف لها ان تبصر أخضر النعيم على ارضكم السوداء ، ان الأنف التي لا تميز قدسية الدم كيف لها ان تستنشق الورود التي قُطفت قبل اوانها فذبلت لها باقي النواضر اليانعة و تراخت رثاءً لها الأفرع المتصلبة .
لله كيف يحق لنا العيش بعد ان ذهب أفاضلنا و انتصر فينا العجز على الحياء ، أتعجب كيف لم نمت خجلا من أنفسنا الى ذلك الحين ، تتجدد الذكرى لتذكي جذوة الغضب الذي لم يترجم بعد ، لتعلمنا كيف نبغض كل تفاصيل ذلك الوطن القاسي ، لتربي فينا التبلد و اليأس و كأنها تقهقه ساخرة منا " كم أنتم حمقى وكم أنتم ضعفاء "
ها هي الأيام تتوالى شيئا فشيئا و رغم عظم الخبر الا أنه بات يندثر ، و يتوارى الا في قلوب من عاشوه ، الى أن تحين تلك اللحظة التي سيفرض فيها الحق كلمته و يلتمع سيف الفصل في سماء طالما غرقت في ظلام الظلم و الآلام ، حينها فقط سيعلم الجميع فداحة الخسارة و طعم الانتصار .
تستطيع وقتها أن تنجب طفلا لا تخاف عليه من رصاصة طائشة ، تراقبه يكبر أمامك وتكبر معه أحلامه ، تراقب انفراج بسماته و انفجار ضحكاته و بكائه حين يهم بالبكاء ، بامكانك أن تراه يشب و ينتصب جذعه و يتفتح عقله ليكتشف حبه للهندسة ، اتركه لا تخاف عليه من رصاصة طائشة تستقر بين أضلعه .
في عالم موازِ ، تخرج في كلية الهندسة ذلك الشاب الذي على الجدران ، ربما كنت لتاقبله في هيئة التجنيد في طابور دام ساعات و الشمس تتكبد السماء ، تطلب منه شربة ماء فيعطيك الزجاجه كاملة قائلا لك " احتفظ بها أنا لا أريدها " ، ربما صادفك الحظ لتكون ضمن كتيبته في الجيش ربما كان ليحمل ذات السلاح الذي قتل به ، ولكنه رحيم بقاتله كان ليعطيه شربة ماء .
ربما كان سينال الاعفاء من الخدمة العسكرية لسبب ما ، منها أن الشهداء لا يحق لهم حمل السلاح أو ارتداء الميري .
والدته تلك تعلم جيدا أنه في مكان أفضل لذلك فضلا منك - لا تخبرها بذلك ، أخبرها أن "محمد رضا " ذللك الفتى حيُ هنا في قلوب من عرفوه ، فدماؤه هو ومن سبقوه ومن خلفوه لم تجف في عروقنا بعد .

الأحد، 26 نوفمبر 2017

الكاتب التعس

ها أنت أيها الكاتب التعس  ،قد خانتك الخواطر و هجرتك الذكرى  ، فلا قصة تحكيها ،  و لا بشرى بحلول فكرة ، ليلتك تلك القاتمه و حدها شاهدك الوحيد على أن الفراغ الذي بداخلك  من الممكن أن يزدحم ببعض مما لا تعرفه .
يحاول أن يكون رومانسيا حالما ولكن سرعان ما يفشل فور اكتشافه أن سقف الغرفة قد حال بينه وبين السماء . يعبث في أدراجه فيرى ما لا يرضيه ، وجد بداية جيدة  لقصيدة لم يكملها  و لربما كان سيكملها القارىء في قرارة نفسه و شعوره  ، وردة ذابلة أبى أن يُفقدها آخر فرص الوجود ، قصاصات طال بها العمر تصارع من أجل البقاء بعيدا عن صندوق القمامة لتبعث في ذكراه شيئا ما .
 صمتك أشبه بصمت الركاب في الحافلة ، صمت الجنازات ، صمت الطلاب في انتظار النتائج ،  صمت بائع الجرائد في ليلة قارصة البرودة بعد أن فقد الأمل في بيع المزيد ، صمت طبيب  حذر ،  صمت عائشة عند حادثة الافك ، صمت  العذراء " يا مريم لقد جئت شئيا بغيا  "  ، صمت من طال حديثه فمل  عن الكلام ، صمت من تيقن أن الكلام بات  لا يجدي نفعا ولا يشتري خبزا ولا يحل أزمة ولا ينتقم لمظلوم ، صمت من علق أمانيه على الكلام فخذله الكلام ، كوامن ما  بداخلك  لا طاقة للكلام  بحملها فاستقرت بثقلها مكانها  خائرة لا تقوى على الخروج  ، صمت من يخفي الكثير ويخاف أن يزل لسانه فيهتك ستر  سرائره  ، أ لا تلقي خطابا على جموع من ورق  ، يا لزعامتك الحمقاء ، ألن يسمعك أحد !!
خرج عن صمته  ليطلب مني  ورقة بيضاء وعلى رأسها كتب :
"تبا للكلام اذا استمعت تعاطفا و اذا رددت  تفلسفا و اذا اتهمت تعسفا  ، هذا أنا بكم و بدونكم "
.