واحد .. اثنان... ثلاثه ، يكتمل العد حتى ينتهي ولا يلبث حتى يعاد ، ملل لا يصدق ولا يوصف ، هاتوا لي بورقة وقلم لاكتب لكم السيناريو المعتاد لكل ما سيحدث ، سيناريو واحد تمخض عن الاف السيناريوهات الرمادية المتشابهه .
حياة شعواء تهوى التقلب ، تسير الامور على ما يرام الى ان تسكن اليها و تعطيها شيء من الأمان ، ذلك القدر صياد ماهر يتسلل يتوارى يتأني يقطب يكتم يزفر يصوب فيصيب .. الركون الانتظار الاستمرارية الاعتياديه التعود التاقلم ، كم امقت تلك المصطلحات الملعونه تفرض نفسها بسطوة المعتدي على كل ما يعتريك من حزن او فرح، خير او شر .
مللت "ماذا " الاستفاهميه الفضوليه لم تعد تثر فضولي ، اخبرني عن "متى" الزمن ، و"كيف" الخلاص والفرار او الاحتمال ، و"لماذا" كل هذا القلق و "أين " لك من هذا الصبر .
رغم كل عاتيات الدهر الا انها اصبحت معتادة طيعة التجاوز في خضم السجال ، وتبقى ما تخلفه في القلب من ذكرى لاذعة عصية الزوال . ويبقى لطف الله وحده هو سلواك الوحيد للعيش.
السبت، 16 ديسمبر 2017
سيناريو السأم
الاثنين، 4 ديسمبر 2017
ثراء عابر
يجلس في غرفة مكتبه
ذلك الوثير ، أثاث فخم ينم عن ذوق رفيع ، و رائحة عطر أصيلة يكتنفها دخان التبغ في
جو معبق بارد بفعل هواء المكيف .
طلاء المكتب يبعث
راحة في النفس والعين ، كل شئ تم انتقاؤه
باحكام ، فقط تلك الشهادات
المتراصة على الحائط قد أكسبت الرائي مزيجا من الشعور بالحيرة و عدم الواقعية ، ما
قيمة شهادة علمية لرجل اعمال ثري مثل هذا !
اضجع على الكرسي
في كسل تام بعد ان خلع حذاءه باسطا قدميه على الكرسي المقابل ، يحدق في سقف المكتب قرابة الساعة ..
تناول هاتف
السكرتارية الذي لم يتوقف عن الرن و الازعاج ، وفي هدوء وبرود تامين حرصا على مزاجه الصافي " ألم أخبرك يا حيوانه ألا تزعجيني ، فانا
أبرم صفقات الان أهم منك و ممن يريدون
مقابلتي "
- عذرا سيدي "
سامح "ولكن مندوبة شركة الطلمبات بالخارج لا تكف عن طلب الدخول لرؤيتك .
- أخبريها اني قد
انتحرت ، قد دهسني قطار أو أخبريها اني قد وظفت للعمل سكرتيره حمقاء و غير مهنية، كل ما
يشغل بالها أن تنقع وجهها الدميم في طشت من المساحيق و كريمات التفتيح صبيحة كل
يوم عمل .
ثم يصعق سماعة
الهاتف في أذنها..
تمر نحو نصف
دقيقة ، يعيد هو الاتصال بالسكرتيرة و في نبرة يكسوها بعض الفضول
- أرسلي لي
صورتها على "الواتساب " لأتفحص
الأمر
يفتح الصوره ،
يدقق في الوجه ، يتملق مميلا برأسه يمينا
ويسارا يتمتم " حسنا لا بأس بها "
- -اسمحي لها بالدخول
ينفتح الباب على
وقع نقرات كعب حذائها ، لم يبد أي اهتمام بل قد أدار لها ظهر الكرسي
المتحرك لينظر الى النافذه
- -عذرا استاذ سامح للازعاج ولكن...
يقاطعها "
تفضلي بالجلوس ، فأنا لم أسمح لك بالكلام بعد "
- -
تعلمين يا أستاذه .. عذرا ما اسمك ؟
- -ميادة اسمي ميادة يا فندم
- -تعلمين يا أستاذه ميادة ، كم عانيت وتكبدت كي أصل الى ما أنا عليه
الآن ، الثراء حلم كبير ، فالكثير من الذكاء
مع كثير من العمل أعدك انك ستري شيئا بالغد ، لكن أتعلمين شيئا ، لا تصدقي شيئا من هذا الهراء أنا أفتش عن مواضيع حوار لا
أكثر .
ثم يستدير بالكرسي " فلنتحدث في صلب العمل قليلا ، عيناك قاتلة الجمال ، لماذا ترتدين تلك
العوينات البغيضة ، انزعيها كي نعمل بشئ
من الحماس "
ثم يتوقف كل شئ ، مئات من الأظافر حوله تنغزه
في كتفيه و بلهجة تنبيه وتحذير
" سامح .. سامح استيقظ الدكتور
يا سامح الدكتور "
-
البشمهندس اللي نايم ورا ، مفيش مهندس ناجح بينام في الحاضره يا حبيبي
- -لكن رجال الأعمال يفعلون يا دكتور
الثلاثاء، 28 نوفمبر 2017
محمد رضا
لا تستطيع ان تتبين فداحة الخسارة لانك لم
تذق طعم الانتصار قط وحدهم الشهداء فعلوا"
اتساءل هل صارت الارض عفنة ونجسة الى ذلك الحد ، لدرجة أن أدرك الاطهار منا ذلك فجادوا على الارض بعبق دماءهم و ارواحهم الزكية كي يمنحونا صلاحية اطول للعيش .
ان الدوام لله وهم منه واليه ، لقد عاشوا قدر ما كتب لهم وماتوا عندما كتب لنا ان نعيش - نحن- امواتا ، ان العيون التي لا تبصر أحمر الدم كيف لها ان تبصر أخضر النعيم على ارضكم السوداء ، ان الأنف التي لا تميز قدسية الدم كيف لها ان تستنشق الورود التي قُطفت قبل اوانها فذبلت لها باقي النواضر اليانعة و تراخت رثاءً لها الأفرع المتصلبة .
لله كيف يحق لنا العيش بعد ان ذهب أفاضلنا و انتصر فينا العجز على الحياء ، أتعجب كيف لم نمت خجلا من أنفسنا الى ذلك الحين ، تتجدد الذكرى لتذكي جذوة الغضب الذي لم يترجم بعد ، لتعلمنا كيف نبغض كل تفاصيل ذلك الوطن القاسي ، لتربي فينا التبلد و اليأس و كأنها تقهقه ساخرة منا " كم أنتم حمقى وكم أنتم ضعفاء "
ها هي الأيام تتوالى شيئا فشيئا و رغم عظم الخبر الا أنه بات يندثر ، و يتوارى الا في قلوب من عاشوه ، الى أن تحين تلك اللحظة التي سيفرض فيها الحق كلمته و يلتمع سيف الفصل في سماء طالما غرقت في ظلام الظلم و الآلام ، حينها فقط سيعلم الجميع فداحة الخسارة و طعم الانتصار .
تستطيع وقتها أن تنجب طفلا لا تخاف عليه من رصاصة طائشة ، تراقبه يكبر أمامك وتكبر معه أحلامه ، تراقب انفراج بسماته و انفجار ضحكاته و بكائه حين يهم بالبكاء ، بامكانك أن تراه يشب و ينتصب جذعه و يتفتح عقله ليكتشف حبه للهندسة ، اتركه لا تخاف عليه من رصاصة طائشة تستقر بين أضلعه .
في عالم موازِ ، تخرج في كلية الهندسة ذلك الشاب الذي على الجدران ، ربما كنت لتاقبله في هيئة التجنيد في طابور دام ساعات و الشمس تتكبد السماء ، تطلب منه شربة ماء فيعطيك الزجاجه كاملة قائلا لك " احتفظ بها أنا لا أريدها " ، ربما صادفك الحظ لتكون ضمن كتيبته في الجيش ربما كان ليحمل ذات السلاح الذي قتل به ، ولكنه رحيم بقاتله كان ليعطيه شربة ماء .
ربما كان سينال الاعفاء من الخدمة العسكرية لسبب ما ، منها أن الشهداء لا يحق لهم حمل السلاح أو ارتداء الميري .
والدته تلك تعلم جيدا أنه في مكان أفضل لذلك فضلا منك - لا تخبرها بذلك ، أخبرها أن "محمد رضا " ذللك الفتى حيُ هنا في قلوب من عرفوه ، فدماؤه هو ومن سبقوه ومن خلفوه لم تجف في عروقنا بعد .
اتساءل هل صارت الارض عفنة ونجسة الى ذلك الحد ، لدرجة أن أدرك الاطهار منا ذلك فجادوا على الارض بعبق دماءهم و ارواحهم الزكية كي يمنحونا صلاحية اطول للعيش .
ان الدوام لله وهم منه واليه ، لقد عاشوا قدر ما كتب لهم وماتوا عندما كتب لنا ان نعيش - نحن- امواتا ، ان العيون التي لا تبصر أحمر الدم كيف لها ان تبصر أخضر النعيم على ارضكم السوداء ، ان الأنف التي لا تميز قدسية الدم كيف لها ان تستنشق الورود التي قُطفت قبل اوانها فذبلت لها باقي النواضر اليانعة و تراخت رثاءً لها الأفرع المتصلبة .
لله كيف يحق لنا العيش بعد ان ذهب أفاضلنا و انتصر فينا العجز على الحياء ، أتعجب كيف لم نمت خجلا من أنفسنا الى ذلك الحين ، تتجدد الذكرى لتذكي جذوة الغضب الذي لم يترجم بعد ، لتعلمنا كيف نبغض كل تفاصيل ذلك الوطن القاسي ، لتربي فينا التبلد و اليأس و كأنها تقهقه ساخرة منا " كم أنتم حمقى وكم أنتم ضعفاء "
ها هي الأيام تتوالى شيئا فشيئا و رغم عظم الخبر الا أنه بات يندثر ، و يتوارى الا في قلوب من عاشوه ، الى أن تحين تلك اللحظة التي سيفرض فيها الحق كلمته و يلتمع سيف الفصل في سماء طالما غرقت في ظلام الظلم و الآلام ، حينها فقط سيعلم الجميع فداحة الخسارة و طعم الانتصار .
تستطيع وقتها أن تنجب طفلا لا تخاف عليه من رصاصة طائشة ، تراقبه يكبر أمامك وتكبر معه أحلامه ، تراقب انفراج بسماته و انفجار ضحكاته و بكائه حين يهم بالبكاء ، بامكانك أن تراه يشب و ينتصب جذعه و يتفتح عقله ليكتشف حبه للهندسة ، اتركه لا تخاف عليه من رصاصة طائشة تستقر بين أضلعه .
في عالم موازِ ، تخرج في كلية الهندسة ذلك الشاب الذي على الجدران ، ربما كنت لتاقبله في هيئة التجنيد في طابور دام ساعات و الشمس تتكبد السماء ، تطلب منه شربة ماء فيعطيك الزجاجه كاملة قائلا لك " احتفظ بها أنا لا أريدها " ، ربما صادفك الحظ لتكون ضمن كتيبته في الجيش ربما كان ليحمل ذات السلاح الذي قتل به ، ولكنه رحيم بقاتله كان ليعطيه شربة ماء .
ربما كان سينال الاعفاء من الخدمة العسكرية لسبب ما ، منها أن الشهداء لا يحق لهم حمل السلاح أو ارتداء الميري .
والدته تلك تعلم جيدا أنه في مكان أفضل لذلك فضلا منك - لا تخبرها بذلك ، أخبرها أن "محمد رضا " ذللك الفتى حيُ هنا في قلوب من عرفوه ، فدماؤه هو ومن سبقوه ومن خلفوه لم تجف في عروقنا بعد .
الأحد، 26 نوفمبر 2017
الكاتب التعس
ها أنت أيها الكاتب التعس ،قد
خانتك الخواطر و هجرتك الذكرى ، فلا قصة
تحكيها ، و لا بشرى بحلول فكرة ، ليلتك
تلك القاتمه و حدها شاهدك الوحيد على أن الفراغ الذي بداخلك من الممكن أن يزدحم ببعض مما لا تعرفه .
يحاول أن يكون رومانسيا حالما ولكن سرعان ما يفشل فور اكتشافه أن سقف
الغرفة قد حال بينه وبين السماء . يعبث في أدراجه فيرى ما لا يرضيه ، وجد بداية
جيدة لقصيدة لم يكملها و لربما كان سيكملها القارىء في قرارة نفسه و
شعوره ، وردة ذابلة أبى أن يُفقدها آخر
فرص الوجود ، قصاصات طال بها العمر تصارع من أجل البقاء بعيدا عن صندوق القمامة لتبعث في ذكراه شيئا ما .
صمتك أشبه بصمت الركاب في الحافلة
، صمت الجنازات ، صمت الطلاب في انتظار النتائج ، صمت بائع الجرائد في ليلة قارصة البرودة بعد أن فقد
الأمل في بيع المزيد ، صمت طبيب حذر ، صمت عائشة عند حادثة الافك ، صمت العذراء " يا مريم لقد جئت شئيا بغيا "
، صمت من طال حديثه فمل عن الكلام
، صمت من تيقن أن الكلام بات لا يجدي نفعا
ولا يشتري خبزا ولا يحل أزمة ولا ينتقم لمظلوم ، صمت من علق أمانيه على الكلام
فخذله الكلام ، كوامن ما بداخلك لا طاقة للكلام بحملها فاستقرت بثقلها مكانها خائرة لا تقوى على الخروج ، صمت من يخفي الكثير ويخاف أن يزل لسانه فيهتك
ستر سرائره ، أ لا تلقي
خطابا على جموع من ورق ، يا لزعامتك الحمقاء
، ألن يسمعك أحد !!
خرج عن صمته ليطلب مني ورقة بيضاء وعلى رأسها كتب :
"تبا للكلام اذا استمعت تعاطفا و اذا رددت تفلسفا و اذا اتهمت تعسفا ، هذا أنا بكم و بدونكم "
.
الأحد، 27 أغسطس 2017
و كأنها النهاية - قصة قصيره -
- - والآن سأخبرك قصة
لا تعرفها خلف تلك الصوره
- -أنا متحمس جدا يا
أمي فلتبدأي حالا..
-" خرج سعيد متسللاً كعادته في مثل ذلك اليوم من السنة ، سابقا كان ايمانه بالبدايات قد وصل الى حد اليقين بها فعلى
منوالها تجرى بقية الأحداث و على ذات نهجها يتلاعب بنا العمر ككرة مطاطية لا تسأم
الدحرجة و لا يضيرها التلاقف . أربعون بداية مختلفة ، و ما زال حائرا ، فقبل
اليوم المنكود كان ينتظر السنه تلو السنه
تحرقا لبداية أفضل من التي مضت .
عُرف سعيد دوما بخفته وانطلاقه واقباله على الحياة ، يعشق الموسيقى
يألفها فألفته
عندما قرر وهو في العشرين من عمره أن يغير مساره و يلتحق بمعهد الموسيقى غير
آبه بتوجيهات والديه وتعنتهما ، قرار لم يكن بالهين بالنسبة له ولكنه كان حتمي
كحتمية الموت ، من يومها فقد وهب نفسه للموسيقى ينفق عليها ساعات من يومه في
التدريب و من جيبه في تلك الحصص الاضافيه
، صار يتصدق على الموسيقى فتغدق هي عليه سخية بالألحان .
اليوم يكمل عامه الأربعين ، وفيي قلبه نار لا تخبو جذوتها و لا يصمت حسيسها
، تلفح أنفاسه وتنال منه منذ يوم النكبة كما يسميه ، صار منكودا حزينا ، لم يكن
بذلك الرجل الذي تعصف به النكبات فتكسره و تثنيه ، ولكن هناك مصائب لا نقوى عليها
نحن بنو آدم ، تشكك ايمانه بالله صار يناديه ليلا ونهارا ، طالما انت حولي و
بصحبتي فلما لا تنظر الى حالي و تخرجني مما أنا فيه ، أنت واسع الحيلة و أنا
مصيبتي كبيرة كبيرة جدا ويبكي في جنح كل ليلة ،و على وسادته قبل كل نوم تجوب
الألحان في نواحي عقله فيحلق معاها الى ان يخلد هاربا من واقعه المرير الذي ألم به.
في مثل ذلك اليوم من السنة ماضية وقبل وقوع تلك النكبة ، قد قرر
الاحتفال كعادته ببداية يرجوها مختلفه
تؤذن بعام قد يكون أفضل من سابقه . أخذ
كمانه و توجه الى كورنيش النيل وفي تمام الثانية عشر صباحا ، أغمض عينيه و سحب زفيرا طويلا و أراح كمانه
على كتفه ومال عليه بصدغه يحتضنه ويطمئن اليه ثم التقط العصا بيمناه و بانسيابية
شديدة بدأ رحلته أمام أسماع الناس و أنظارهم ، يشعر دوما حين يهم بالعزف بانقطاع عن عالمه الخارجي سابحا في أطياف عوالم أخرى تحويه و تيقظ خيالاته
، يعزف متمايلا كموجة حائرة على شاطئ
بحر هائج ، يحاول ترويض العصا الى
لحنه ولكنها تشطح منه الى لحن أرق و أعذب ، فيتبعها و يؤمن
بها ، تجمع حوله الناس واصطفوا متأملين ساهمين ، غريبة هي الموسيقى تسكن الطباع و
تروض النفوس و تفك جبين قطبه الزمان ، وترسم ابتسامة على وجه تغضن من طول العبوس ، يستمر في العزف غير آبه بمن حوله تائها في أكوانه،
فلحن يلمس ذكرى أول حب و أول لقاء و آخر ينكأ جراح أول فراق ، ولحن
يذكره بأمه و ضمتها له ولحن ثائر يثور عليه ، وهو بين هذا وذاك يعيش نصف حياة ويموت نصف
موت . حتى أفاق على تصفيق العامة الشديد الراكب منهم والراجل ، فتح عينيه
فيتهيأون له كملائكة بيض الوجوه
يشرئبون بأعناقهم له و هو يرتقي
بروحه نحو نعيم لطالما انتظره .
اليوم ينتظر الثانية عشر أيضا متسللا من شقته متثاقلا متأبطا كمانه دون عصاه ، ينظر الى يمناه ويبكيها
، يوم النكبه الذي حل عليه منذ خمسة أشهر أحال بينه وبين المزيد ، و كأن القدر ذاك
متزمتُ يبغض الجمال ، يستل سيفه ليبتر الألحان من قلوب عاشقيها ، بُترت ذراع سعيد اليمنى في حادثة على الصحراوي
ومن يومها لم يذق للدنيا طعم غير مرارتها المعهودة . توجه الى ذات المكان على
الكورنيش بعد مشي دون هدي دام ساعتين ،
نظر الى كمانه و أسهب و كأنه يحدثه أو يلومه على ما ليس له ، يترقرق الدمع
فيي عينيه ثم يجثم على ركبتيه حتى يلامس
صدره فخذيه ثم يجهش بالبكاء .
يعجب المارة لحاله ولا يستوقفهم ، الى أن أقبلت صبية مهرعةً اليه في
مقتبل عمرها تحمل على ظهرها شيئ ما ،
تنحني اليه بتلقائية و تعدل من جلسته و
تسنده الى السور الحديدي . ثم تلتقط عصاها
من حقيبة الكمان التي على ظهرها ، وهو لايفعل شيئ غير الاسهاب والحملقة فيها ، تعدل من هيأتها ومن
فستانها و تنتصب بجزعها وتلتقط الكمان .
أخذ يببكي ويبكي ويبكي ، ويهز رأسه لها بأن " لا تتوقفي " ثم يبتسم ويبتسم وهي في تألقها و تمايلها كالحور عين ، فيتبعها و يؤمن بها ، تجمع حولها الناس واصطفوا متأملين ساهمين ،
غريبة هي الموسيقى تسكن الطباع و تروض النفوس و تفك جبين قطبه الزمان ، وترسم
ابتسامة على وجه تغضن من طول العبوس .
"
ثم تصفيق يدوي من المارة الراكب
منهم والراجل ، وهم يتوجهون بأنظارهم نحوه لا نحوها يصفقون له لا لها . تنتهي من عزفها فتنحني اليه وتحتضنه وتغالب
دمعا ينساب منها " هون عليك يا أبي ،
كم أنا فخورة بك " "
- -- أكملي يا أمي ثم
ماذا
- --كم أنا فخوره به
حقا وهو الآن عند ربه ، تمعن في الصوره ، جدك ذلك الباسم ذو اليد الواحده ينحني اليه رئيس النمسا تمجيدا له ، لم تتوقف مسيرته و وأنشأ تلك الأكاديمية لتعليم
الموسيقى في النمسا ونال بها صيتا واسعا و أنا الان أُدرس فيها بفضل منه.
الأربعاء، 12 أبريل 2017
أزمة انتماء
لست
مهتما كثيرا بما تخبئه لنا الأيام القادمة
سواء في مصر أو في العالم العربي برمته ، فلن يأتي أسوأ مما نحن عليه الآن هكذا
أظن ، ولكن في كثير من الأحيان يتداعى الى ذهنى كيف وصلنا الى تلك الحال، ترى في
كتب التاريخ صورا تنطق بعظمة ما كان عليه العرب ، حين كنا نحاصر القلاع و نغير على
الحصون ننتصر للمظلوم و نوقع بالظالم أشد
العبر و أدمى الوقائع .
تتفاوت الأسباب
على مر العصور الغابرة التي أودت الى مهالكنا ، لكننا أنا و كل أبناء ذلك الجيل لم
نعهد انتصارا واحدا لتلك الجموع العربية الهائلة في مختلف بقاع الشرق ، وكأن النصر
قد أرخى على العرب الستائر معلنا باندثار
هيبتها وسطوتها منذ أمد بعيد ،
أذكر أن أبي كان يحدثني في صغري عن الاسلام ونصرته مستعرضاً صور العزة أيام رسول
الله ويقول لي انظر كيف كنا ، ويؤطر حديثه بأن سلاحنا الأوحد هو العلم ، و قوة العقول تعلو بمراتب عديدات قوة السلاح و
عظيم العتاد .
ولكن
عندما كنا نجلس سويا أمام التلفاز ، ونشاهد النشرات الاخبارية لم أكن أكف عن طرح
الأسئلة و الأحاجي الساذجة ، أبي لماذا لا
ينصرنا الله و نحن مسلمون نصلي ونتعبد و أعداؤنا كفرة ، أبي من اسرائيل ولماذا لا نتكاتف عليها ونحن أكثر منها عددا ؟ ، أبي من هو محمد
الدرة ؟ ولماذا قتلوه ، والغريب أن تلك الأسئلة رغم سذاجتها تظل دوما بلا إجابات و
أظن أن ذات النظرات المُفحمَة التي كانت في أعين أبي ستلتمع في عيني أيضا حين
يسألني ولدي الأسئلة ذاتها .
وبين
تلك التجاذبات التي تتناولنا من جميع الأركان ، وبين ارادة شاب نشأ في مجتمع مظلم
أليم ، يفرض علينا الواقع تضحيات تنال من أنفسنا وحقوقها علينا ، وتنال من ديننا و
واجبنا تجاهه ، ان لقومي شغل شاغل
يؤرقهم هو لقمة العيش ، غرقى في الأعباء و أمور العيش لا يكترثون لحال الأمة لأنه لا وقت للتفكير
فيها ، تلك الدوامة التي كممت أعينهم و
شوشت على ادراكهم، أتاحت لمجموعه من الحمقى ذوي النفوذ أن يعتلوا المناصب و يصلوا الى الحكم ليصلوا
بنا الى مشارف الهلاك و مرامي الضياع .
أزعم
أننا في ذلك الزحام صارت لنا نحن الشباب أزمة في الانتماء ، فلا وطن نرى فيها
اشراقة أمل نتوكأ عليها و لا شئ يربطنا به أو يشعرنا بكينونتنا و انسانيتنا فيه .
ولكي لا أبدو مثاليا حالما و لأكون منصفا في
قولي سأعيد ما أحفظه و ما ألتمسه فينا وفي نفسي ،أؤمن أن مخرجنا الوحيد من تلك الأزمات أن ندرك
قدر ذواتنا ، و أننا -نحن العرب
-نستحق أفضل من هذا ، أن ندرك تاريخ أمتنا التي حكمت العالم و نشرت الدعوة بسماحة
تعاليمها و أطلعت البشرية على جميل
الشرائع و المعاني العذبة .
اذا
تاهت المعاني في نفسك و اختلطت عليك
الأمور فلتنظر في تاريخك ذلك الذي كنت عليه دوما
، نحن لا نملك الآن الا أن نحيا على أمل ما ، أن نأتي بالسراب ونهفو خلفه لنتجاوز تلك
المسافات الطاحنة الأليمة " فلولا
السراب لما كنت حيا الى الان " محمود درويش أدرك المغزى جيدا ، و أتمنى أن
ندركه نحن .
الأربعاء، 15 مارس 2017
هذياااااااااااااااان
أهذي بالكلام لأنني مللت الصمت لا أجد ما أكتبه فأتساءل هل جف عقلي ؟ هل طارت أفكاري وخواطري ، لا أفكر الآن ما الغرض من الكتابة وهل ستفيد أم لا ، فترة المراهقة الكتابية ملحوظة الأعراض ، غثيان ينطبع على الورق بفعل كثرة القلق وطول التفكير ، ارتجالات على صدى دراما العشرين ، يتحدثون عن أزمة منتصف العمر التي ترواد الآباء و ماذا عن أزمة العمر التي تراودنا نحن الأبناء في تلك الفترة من حياتنا .
بحثت في جيبي عن مفتاح لحياتي
باب موصدٌ مرتابٌ من الآتي
كطفل مذعور من العمر يبكي
...
وهكذا لم تكتمل القصيدة بعد ، ربما تحاول فيما بعد أن تبدأ قصيدة أخرى تختزل فيها مشاعرك الرمادية ، وتغربل منها أفكارك .
الأربعاء، 15 فبراير 2017
أنت لست كما تظن
دوما تسير الأمور على مايرام ، حتى يهب ذلك اليوم عليك كالعاصفة، قبلها كنت تظن نفسك قديسا لا يترنح لا تبدله الظروف ولا يتبدل ، لسانك الذي أطلقته مدافعا عن مبادئ ظننت أنها لك أنت الآن على شفا التخلي عنها ، واذا بالقمر الذي تهتدي به دوما ينشق على مفترق الطريق ، فتتفرد بك الظلمة مصبغة عليك شيئا من التخبط العكر .
الغريب في الأمر أنك تجلس في غرفتك في آخر كل ليلة ، وبصحبتك قهوتك الساخنة وعلى ورقات بيضاء تسطر عن نفسك سطورا هي بالتأكيد عن شخص آخر ليس انت ، و حين ارتديت منظارك و أخذت تفتش في أحوال الناس فتصدر عن فمك طقطقة الامتعاض غير راضيا أبدا عن أفعالهم وسلوكهم و تقسم ألف قسم و تتمتم
" لا لا والله ما يحصل ، عمري ما أعمل كدا أبدا "
لاحظت في نفسي ذلك الأمر كثيرا ، الى أن أدركت أن المواقف والاختبارات الحياتية هي التي تحدد صدق ما أنت عليه فالاختبار الذي يتخلل كل جنباتك و ويغمرك من أعلاك الى أسفلك هو الذي يضعك حيث لابد أن تكون ، يذكر دكتور مصطفى محمود عن تلك المواقف التي تحتوي ادراكك و شعورك ، يشبهها بتلك اللحظة التي تفقد فيها التمييز في مصعد كهربائي ، هل هو متحرك أم ساكن ، هناك شخص يقف خارج المصعد استطاع أن يحدد . ذلك الشخص كان أنت قبل أن يختلط عليك الأمر و تشتتك الظروف .
قل لي ماذا فعلت حين اصطدمت مصالحك بمبادئك أقل لك من أنت ، فلكل مننا فلسفته الخاصة ومبرراته التي يتسطيع تطويعها للتملص من تلك الأمور .
فتلك الراقصة التي تتلوى عارية أمام الجمهور في عز الشتاء ترى في سكرها و الخمر الذي تستقيه منجاة لها من جو قارص اذا استبد بها سيقتلها ، و فضلا منك لا تحدثها أو تتطرق معها الى الحرام و الحلال في حالتها تلك لأنك بذلك تهدد عملها ومصالحها وستنقض عليك صارخة في وجهك " آه دا أكل عيش ولا أسرق يعني !! وبعدين مش دا حكم المضطر برضو يا بتوع الدين "
قس على ذلك الكثير ، ربما يفسر لك هذا الأمر أيضا ، لماذا يكون دوما حامي البلاد وراعي الأمن فيها هو حراميها ولصها الأوحد بل و خالق الفوضى و ومحدثها .
رأيت مؤخرا فيديو عبارة عن شخصين على شاطئ رملية ، أحدهما يحاول التسلق على سقف بيت خشبي مائل ليحضر من أعلاه شئ ما ، مستندا على صديقه ذلك الذي يحمله من الخلف ملتحفا بمنشفة تستر نصفه السفلي ، وفجأة بدأت المنشفه التي تستر أسفله تنزلق من عليه كاشفة عن عورته ، ربما كان صديقا وفيا طيلة سنوات ، ولكنه فورا تشبث بها ململما أطرافها ليستر عن نفسه الفضيحة ، و ترك صديقه يهوى على رأسه من أعلى السقف ، ضحكت بشدة ولكن لم أستبعد أن أتصرف لا إراديا مثله لو كنت في مكانه .
هناك مثل مصري يقول " المايه تكذب الغطاس " لذا دعك من التشدق بما ليس فيك أو بالأحرى بما تظن أنه فيك ولكن أطلب من ربك الثبات على الرشد ، فنوائب الدهر عاتية و لو نظرت في حال نفسك منذ زمن ، لوجدت أنك تبدلت آلاف المرات وهكذا أنا .
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)