عندما يعصف بك العمر بنوائبه و تباغتك السنوات خلسة دون أن تشعر فقط ستتمنى حينها أن تبدو صغيرا ولو فترة قليلة تسترجع فيها سذاجتك التي لوثتها الحياة و تفاهاتك التي تعاظمت وأصبحت ثقلا على ظهرك .
دوما في صغري كنت على يقين أنني لكي أحقق ما أريد ولكي أحصل على ما أشتهي لا بد أن أكون كبيرا قادرا على تصريف أموري وحدي دون مساعدة من أحد ، ارتبطت بذهني كثيرا تلك الفكرة وربما كبرت معي أيضا .
وعندما صرت شابا يمتلك قدرا وافرا من الوقت والصحة والأحلام . صارت عقدتي ومبعث همي أن أحقق أي إنجاز مما أتمناه ، أستعجل الساعات و الأيام وأحلم دوما بالغد . أعيش في خيالات نشوة الانجاز و أسبح مرفرفاً في عالم أبحث فيه عن تحقيق الذات وتوطيد الثقة بالنفس .
حقا فهناك فواصل زمنية في حياة الكثير منا ، أحداث نظن أن العمر يتوقف بقربها ليمهلنا فرصة نطبع كل لحظة فيها على قلوبنا ، نحياها بصدق لتعيش فينا أبد الدهر ، وحين يشيخ بك الزمان ستدرك أن الذاكرة لا تتسع دوما لكل ما نشتهي أن نستدعيه ، وأنها قد اصطبغت بنزعتك النرجسية فتراها لا تتذكر غير تلك الفواصل ، لن تذكر من طريق الحياة الوعر الا عثراته ومصاعبه تلك التي جاهدت إزائها ، ستذكر منها لحظات الفرحه العارمة و الانتصار المجزي .
تلازمني من يوم نضجي الفكري هواجس خوف أشبه في أعراضها بفوبيا السن و قطار العمر ذلك الذي ينقشع ، دون أن أدرك تلك الفواصل بعد ، ربما أتيتَ الى هنا الى ذلك العالم لشئ ما ولكنك لا تدركه بعد .
ربما يصبح سلواك الوحيد الان أنك لم تصل لذلك السن الذي تتحقق فيها الأحلام و تصبح قادرا فيه على ادراك الفواصل الزمنية ، فتعود بالزمن عشر سنوات لتجد أنك أيضا لم تحقق ما ظللت تمني به نفسك ، وليس ذلك مقياسا لفشلك على الاطلاق .
ان العمر لص ماهر بلا شك ، ولكننا دوما نعطيه الفرصة لذلك ، تمنينا النفس بالأماني ، فنسعى خلفها كالنيام ، ننتظر المحطة إثر المحطة ، ونقضي العمر في الانتظار .
لماذا لا نوفّي كل لحظة حقها ، و نُقبل بقلوب حالمة على الدنيا ، ليكون الحلم وقودنا للعيش لا للركون و الإغفاء . ربما لولا الصحو ما عرفنا الأحلام ، فللإفاقة روعة أيضا لو تعلمون ، وللأحلام ضرائب قد لا يستسيغها الجميع .