المقدمة :
منذ فترة ليست بالبعيدة ، كنت دوما على غير
توافق مع المصطلحات العائمة و الكلمات
المبهمة تلك التي تصور الذات البشرية كقالب جامد يخضع للقوانين و المعادلات
الرياضية ، نشأت في عالم يحمل من التناقضات ما يكفي لقصم ظهر كل من خطر بباله-
فيلسوفا كان أو مفكرا أو حتى شخصا عاديا -
أن يبحث في جعاب المفردات و مخازن الكلمات عن تعريف صريح يختزل فيها معنى واضح للعقل
البشري ، لو توصلنا حقا لمخططات و دراسات في ادارة الذات ، فلنأتي بها الآن و نبرمج عقول العالمين عليها
ليصير العالم أكثر أمنا و أنفع أثرا و أكرم خلقا .
ربما لو سار البشر أجمعين على نفس الوتيرة لما
تقدمنا خطوه ، لصارت نسخه واحده كافيه من مليارات أناس متشابهين ، خلقنا الله
بأفكار متابينه و بصائر متعدده خلق فينا الضعف لنشعر بنقاط القوة ، خلق فينا
الظالم لنتعطش للعدل ونشعر بكينونته ، نظمأ فندرك أن للماء وجود و هو أصلنا
ومنبتنا . نتعرقل ونتخبط فتصحو عزائمنا و تشتعل فينا المثابرة و الاصرار فندرك أننا بشر قادرون على تغيير
مصائرنا وتحديد وجهتنا ،أفكر فتقودني خواطري أن لهذا خلق آدم وحواء ، أهو حب
التجربة والمخاطرة الذي دفعهما الى الشجرة ، أم أنها فطرة جبلنا عليها أن نرتقي
ونتطلع ونسود.
ان الذات البشرية غاية في التعقيد ، والعقل
البشري سلسلة متراكبة من الشفرات و الألغاز . وربما اذا سعى الانسان الى فهم ذاته
التف حول نفسه و تعرقلت خطاه الى مزيد من المصائد و الخبايا التي لابد ألا يسدل عنها إزاراها ، ولكن لا بد أن يسعى الانسان الى فهمها ليتحقق
من تناقضاتها فيستوبعها و يبني عليها
قراراته ، ولا بد ان يحترس من بعض الحقائق التي يجب أن تستر فلو عرفناها عن أنفسنا أصابنا الهلع
و ربما أغشي علينا اذا علمنا قدر معرفتنا
الحقيقة و مدى جهلنا الوافر .
لذا رأيت أنه لكي نتخذ أسلوبا فعالا في ادراة
ذواتنا لابد لأن من أن ندرك جوانب النقص فيها ونتفهمها ، ومن منطلق الأمانة فقد اعتمدت في معظم مايلي على أفكار دكتور – على الوردي - الباحث
والمفكر العراقي ، محاولة متواضعة مني
لايضاح ما يجب إيضاحه .
( القوقعه
البشرية ) :
·
من طبائع الانسان
التي خلق عليه أنه يرى في نفسه الأفضلية والتفوق عن أمثاله وقرائنه من البشر ،
لذلك تجد التعصب صفة مميزة للكثيرين فكل مننا الى قليلين يتعصب لآرائه و معتقداته
و ويجد فيها الحل الأمثل و يدعي جهلا أنها هي الحقيقة المجرده المطلقة ، ولكن اذا نظرنا بعين الحياد و حكمنا عقولنا و
انتزعنا من أنفسنا العقد النفسية التي تودي بنا الى مشارف التنازع الأعمى والهلاك
المميت ، لرأينا أن جميع الحقائق الكونية
ما هي الا فرضيات نسبية افترضناها
لنعالج مشاكلنا و نقيل بها عثراتنا .
·
حين ننظر مثلا
لمجتمع مثل مجتمع النحل نجد أن كل عنصر فيه يقوم بواظئفه من غير تذمر أو احتاج ،
فلا ملكة خائفة على عرشها وتسعى الى
حمايته ، الجميع يتحرك بأعمال شبه غريزيه ، فهو نظام ممل لا يغير من الحالة ولا
يسعى الى تطوير .
·
أما المجتمع
البشري منذ بدء الخليقة في تطور مستمر فعناصر البشريه هنا لا تخدم مجتمعها بدافع الغريزة بل من منطلق
شعورها بالأفضلية وبدافع اثبات الذات و
المقابل المادي ، فهو مأخوذ بحب الظهور و التفاخر .
·
الانسان بطبيعته
أناني كما ذكرنا يعيش في قوقعته و لا يرى الحقيقة الا من خلال قوقعته المحصنه .
·
لذا نتساءل ما هي حدود الثقافة التي ربما تكون قادرة على وهب الانسان شيئا
من التنوير والحيادية لتجعله قادرا على الحكم على قدراته دون مغالاة في محاسنها
متوهما أنه الأفضل من بين الجميع .
·
فكل طائفة تعتقد ان ثقافتها هي المطلقة وان معاييرها هي المعايير
الثابته التي يفصل بها الحق عن الباطل ،
مثلا ، فالطفل الذي ينشأ في مجتمع عنتري يرى القوة مقياسا لمكانة المرء ففتولة
العضلات و حجم السواعد وانفراج الصدر وتصلب الجزع هي
شغله الشاغل ، من العسير على ذلك المجتمع
أن يقدر للعلم مكانة أو أن ينال الباحث أو المفكر فيه من الحظوة الاجتماعية و
التقدير ما يستحق .
·
لذا فكلما زادت
خبراته واتصاله بالناس وتوالت عليه التجارب المرة صار قريبا من الحقيقة الواقعيه
في نظرته الى نفسه ، ولكنه لن يصل اليها وصولا تاما متأثرا بواقعه و الاطار
الاجتماعي الذي نشأ فيه ووطنه على مبادئ التفكير .
·
يقول الدكتور – علي الوردي – أن تلك القوقعه البشريه تكون في أوجها وشدتها
في سن الطفوله المبكره حين يرى الطفل الدنيا بعين لذاته و عواطفه فالجميل المطلق
في نظره جميل لديه لأنه محبب اليه تستسيغه نفسه و تميل اليه ، يرى نفسه محور الكون
فاذا غاب من المدرسة يوما ظن أنها ستقفل أبوابها و أن أحدا لن يذهب اليها . يرى
الكون انعكاسا لمشاعره ورغباته
·
يكبر الانسان وتبقى تلك القوقعه في أعماق نفسه ، فتراه حين يكون سعيدا ان
يرى الكون كله سعيد ويقول " لا داعي للحزن ، اضحك تضحك لك الدنيا " و
اذا أصابه هم أرقه و قض مضجعه رأي الكون كله كئيبا فاذا ضحك أحدهم قال له "
لماذا تضحك الآن ، فالضحك من دون سبب قلة آدب " .
مهزلة العقل البشري :
·
كما أشرنا من قبل فالانسان شديد التأثر بمحيطه الاجتماعي الذي يرسم له
أفكاره وقناعاته ، فمن العسير عليك و غير منصف منك أن تطلب من رجل نشأ في مجتمع
بدائي فقير أن يقدم لك كتابا فلسفيا كفلسفة نيشته أو فرويد مثلا .
·
ان المفكرين القدماء ظلموا أنفسهم حين انكبوا وانكفئوا على كتب القدماء يتدارسونها ويكبون ما
فيها داخل رؤسهم ، ثم حين تأتي فكرة جديدة على طاولة العرض يرفضونها ويهاجمونها
ظنا منهم أن ما اعتادوه وما ورثوه هو الصحيح ، تمام كما فعلت قريش مع دعوة محمد
- صلى الله عليه وسلم - قالوا " هذا ما وجدنا عليه آبائنا "
.
·
ان العقل البشري لا يفكر الا استنادا على معلومات ومقاييس سابقة ، ومن
العسير أن يفكر أو أن يتصور شيئا ليس له مثيلا في خبراته النظريه أو الحياتيه
·
فإنك حين تشرح شئيا ما لزميل فلابد أن تأتي بتشبيهات من واقعه النظري و من
خبراته ، هكذا يصعب على المرء أن يتصور طبيعة الله عز وجل أو طبيعة الملائكة و
الجن لأنه لا يوجد لهم مثيل في واقعه وخبراته .
·
فالذي يريد أن يطبق قوانينا الأرض على العالم الآخر مثلا ، أو يطبق قوانين
الزمان والمكان على مرحلة ما بعد الموت ، مثله مثل اللعبة التي تتصور خطئا أن
صانعها يتحرك بزنبرك هو الآخر .
التنازع صفة بشرية :
·
التنازع صفة أساسية في الانسان ، وهامة جدا في خلق التطور و التقدم
الحضاري.
·
فبالرغم من الدمار التي خلفته الحروب العالمية ، الا انها كانت وثبة هائلة
في صناعة الأسلحة وتطور غير مسبوق في اكتشافات الكمياء الخاصه بصناعة الأدوية و
العلاج .
·
يصف صموئيل بتلر الحياة كالخيط والسكين فالخيط يربط الناس ببعضهم و السكين
يقطع ذلك الخيط .
·
ان التنازع و التعاون هما
متلازمتان في حياة البشر ، اذا لا تقوم قائمه لدولة لا وجود فيها لاختلاف الآراء و
المذاهب يكون التنازع فيها بناء حول طرق
تحقيق أفضل النتائج للارتقاء بالأوطان ،
الكل يتعاون حول مصلحة واحده هي مصلحة الوطن .
سياسة تقبل الآخر :
·
نحتاج جميعًا لخلق التواصل البناء بيننا وبين من حولنا، حتى ننعم بالهدوء
والراحة النفسية فى تعاملاتنا مع الآخرين.. ، هناك عدة مبادئ لتحقيق التواصل
الفعال مع الآخرين وأولها احترام وتقبل
الآخرين كما هم.
·
أننا لن نستطيع أن نتحكم فى طريقة تربية الآخرين أو البيئة التى نشئوا بها،
وهى من العوامل المؤثرة على سلوك الإنسان، لذا علينا أن نتقبل الآخرين كماهم.
·
إن إدراكنا
ليس بالضرورة هو الحقيقة، فالإدراك هو تعبير عن ما يدور بداخلك، ففى بعض الأحيان
نستيقظ ونحن نشعر بالتفاؤل، فى حين نجد فى يوم آخر أننا نشعر بالحزن بدون سبب،
والذى تغير هو إدراكنا للأمور، فعند اختلافى فى وجهة نظر مع شخصا ما، كل ما على
إدراكه هو حقيقة اختلاف الإدراك بينى وبينه.
·
من المهم أن يُقدم الانسان على أفضل الاختيارات المتاحة له، لذا عليك أن
تسامح نفسك وتتذكر إدراكك المختلف للأمور و أيضا للموارد المتاحة فى هذه اللحظة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق